التفسير :
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْدًا إِذَا صَلَّى}تعجيبٌ
من حال ذلك الشقي الفاجر أي أخبرني يا محمد عن حال ذلك المجرم الأثيم،
الذي ينهى عبداً من عباد الله عن الصلاة، ما أسخف عقله، وما أشنع فعله !!
قال أبو السعود: هذه الآية تقبيحٌ وتشنيعٌ لحال الطاغي وتعجيب منها،
وإِيذان بأنها من الشناعة والغرابة بحيث يقضى منها العجب، وقد أجمع
المفسرون على أن العبد المصلي هو محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الذي نهاه
هو اللعين "أبو جهل" حيث قال: لئن رأيتُ محمداً يصلي لأطأن على عنقه
{أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى}أي أخبرني إِن كان هذا العبد المصلي - وهو النبي صلى الله عليه وسلم -
الذي تنهاه عن الصلاة صالحاً مهتدياً، على الطريقة المستقيمة في قوله
وفعله!!
{أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى}أي أو كان آمراً بالإِخلاص والتوحيد، داعياً إِلى الهدى والرشاد، كيف
تزجره وتنهاه !! فما أبلهك أيها الغبي الذي تنهي من هذه أوصافه: عبدٌ لله
مطيعٌ مهتدٍ منيب، داع إِلى الهدى والرشاد ؟! وما أعجب هذا ؟ ! ثم عاد
لخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال
{أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي أخبرني يا محمد إِن كذَّب بالقرآن، وأعرض عن الإِيمان
{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} أي ألم يعلم ذلك الشقي أن الله مطَّلع على أحواله، مراقب لأفعاله، وسيجازيه عليها !! ويله ما أجهله وأغباه ؟! ثم ردعه وزجره فقال
{كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} أي ليرتدع هذا الفاجر "أبو جهل" عن غيه وضلاله، فوالله لئن لم ينته عن أذى الرسول، ويكف عمَّا هو عليه من الكفر والضلال
{لَنَسْفَعَاً بِالنَّاصِيَةِ} أي لنأخذنه بناصيته - مقدم شعر الرأس - فلنجرنه إِلى النار بعنفٍ وشدة ونقذفه فيها
{
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}أي صاحب هذه الناصية كاذبٌ فاجرٌ، كثير الذنوب والإِجرام قال ابن جزي:
ووصفها بالكذب والخطيئة مجازٌ، والكاذب الخاطئ في الحقيقة صاحبها، والخاطئ
الذي يفعل الذنب معتمداً، والمخطئ الذي يفعله بدون قصد
{فَلْيَدْعُ نَادِيَه} أي فليدع أهل ناديه و ليستنصر بهم
{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} أي سندعوا خزنة جهنم، الملائكة الغلاظ الشداد،
روي
أن أبا جهل مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند المقام فقال:
ألم أنهك عن هذا يا محمد ! فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم القول،
فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني يا محمد ! والله إِني لأكثر أهل الوادي هذا
نادياً فأنزل الله
{فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته
{كَلا لا تُطِعْهُ} أي ليرتدع هذا الفاجر، و لا تطعه يا محمد فيما دعاك إِليه من ترك الصلاة
{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} أي واظب على سجودك و صلاتك، وتقرَّب بذلك إِلى ربك وفي الحديث "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".
قال تعالى:
وَالضُّحَى(1)
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ
ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ( فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) ((سورة