التفسير
أقسم
تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، و بالليل إذا سجى و ادلهمت ظلمته،
على اعتناء الله برسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال:
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ }أي: ما تركك منذ اعتنى بك، ولا أهملك منذ رباك ورعاك، بل لم يزل يربيك أحسن تربية، ويعليك درجة بعد درجة.
{وَمَا قَلَى}
أي: ما أبغضك منذ أحبك، فإن نفي الضد دليل على ثبوت ضده، والنفي المحض
لا يكون مدحًا، إلا إذا تضمن ثبوت كمال، فهذه حال الرسول ـ صلى الله عليه
وسلم ـ الماضية والحاضرة، أكمل حال وأتمها، محبة الله له واستمرارها،
وترقيته في درج الكمال، ودوام اعتناء الله به.
وأما حاله المستقبلة، فقال: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى} أي: كل حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة.
فلم
يزل ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصعد في درج المعالي ويمكن له الله دينه،
وينصره على أعدائه، ويسدد له أحواله، حتى مات، وقد وصل إلى حال لا يصل
إليها الأولون والآخرون، من الفضائل والنعم، وقرة العين، وسرور القلب.
ثم بعد ذلك، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، وأنواع الإنعام، ولهذا قال: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } وهذا أمر لا يمكن التعبير عنه بغير هذه العبارة الجامعة الشاملة.
ثم امتن عليه بما يعلمه من أحواله [الخاصة] فقال:
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى}
أي: وجدك لا أم لك، ولا أب، بل قد مات أبوه و أمه و هو لا يدبر نفسه،
فآواه الله، و كفله جده عبد المطلب، ثم لما مات جده كفله الله عمه أبا
طالب، حتى أيده بنصره وبالمؤمنين.
{وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى} أي: وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلمك ما لم تكن تعلم، ووفقك لأحسن الأعمال والأخلاق.
{وَوَجَدَكَ عَائِلًا} أي: فقيرًا
{فَأَغْنَى} بما فتح الله عليك من البلدان، التي جبيت لك أموالها و خراجها.
فالذي أزال عنك هذه النقائص، سيزيل عنك كل نقص، و الذي أوصلك إلى الغنى، وآواك ونصرك وهداك، قابل نعمته بالشكران.
[ولهذا قال:]{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَر} أي: لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك.
{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} أي: لا يصدر منك إلى السائل كلام يقتضي رده عن مطلوبه، بنهر وشراسة خلق، بل أعطه ما تيسر عندك أو رده بمعروف [وإحسان].