وهذا يدخل فيه السائل
للمال، والسائل للعلم، ولهذا كان المعلم مأمورًا بحسن الخلق مع المتعلم،
ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده، وإكرامًا
لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [وهذا يشمل] النعم الدينية والدنيوية
{فَحَدِّث} أي: أثن على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة.
وإلا
فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب
لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن.
قال تعالى:
أَلَمْ
نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي
أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذَا فَرَغْتَ
فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ( (( سورة الشّرح))
أي:
نوسعه لشرائع الدين و الدعوة إلى الله، و الاتصاف بمكارم الأخلاق،
والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقًا حرجًا، لا يكاد ينقاد
لخير، ولا تكاد تجده منبسطًا.و أمر الله رسوله أصلًا، والمؤمنين تبعًا، بشكره والقيام بواجب نعمه، فقال:
{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ } أي: إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء.
{وَإِلَى رَبِّكَ} وحده {فَارْغَب} أي: أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول عباداتك .
ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين.
وقد قيل: إن معنى قوله: فإذا فرغت من الصلاة وأكملتها، فانصب في الدعاء، وإلى ربك فارغب في سؤال مطالبك.
واستدل من قال بهذا القول، على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات، والله أعلم بذلك تمت ولله الحمد.
أخبرنا
أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد أخبرنا محمد بن حماد أخبرنا أبو
معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه فاجتمعت
إليه قريش فقالوا له: ما لك قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم
أو ممسيكم أما كنتم تصدقون قالوا: بلى قال: فإني نذير لكم بين يدي
عذاب شديد فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا جميعاً فأنزل الله عز وجل
{تَبَّت يَدا أَبي لَهَبٍ وَتَبَّ} إلى آخرها.